كتبت تارا كانجارلو وميريسا خورما أن خالد، تاجر أثاث في الغوطة الشرقية، عانى خسائر فادحة خلال هجمات كيماوية عام 2013 — فقد 15 من أفراد عائلته بمن فيهم والداه وزوجته الحامل وابنه الصغير. رغم معاناته الطويلة، عاد هذا الخمسيني إلى ورشته بعد سقوط النظام، وبنى مع أولاده من جديد حلم إعادة تشغيل نشاطه التجاري، نابضًا “بأمل بسيط في السلام والاستقرار” ورغبة صادقة في المشاركة في إعادة بناء بلده. تسرد هذه القصة كرمز لآلاف السوريين الذين لا يحملون أملًا في مساعدات ضخمة، بل يسعون لبناء وطنهم قطعة قطعة، بأيديهم ومعارفهم.
وفق مقال أتلانتيك كآونسل، تواجه سوريا اليوم فرصة استثنائية لإعادة البناء — ليس بالتركيز على المال الأجنبي فحسب، بل على قوة المجتمع المدني المحلي، باعتباره أعمق وأقوى مورد قابل للاستثمار على المدى الطويل.
لماذا المجتمع المدني هو الركيزة الحقيقية للإعمار؟
رغم تخفيضات ضخمة في المساعدات الغربية، يسجل المجتمع المدني السوري حضورًا مستدامًا، وليس فقط كمستفيد بل كفاعل مباشر في تقديم الخدمات، إعادة تأهيل البنية التحتية، والتعليم، وتشكيل نقلة نوعية في طريقة التعامل مع اعادة الإعمار.
تقرير سابق لوزارة الخارجية الأمريكية عام 2017 أشاد بأن “الملكية المحلية” للمشروعات — أي مشاركة المجتمعات المحلية في تصميمها وتنفيذها — أساسية لنجاح أي تدخل إنساني أو تنموي في سوريا.
تقدّر التكلفة التي تشير إليها المؤسسات الدولية لإعادة بناء سوريا بما يقارب 216 مليار دولار. هذا الرقم الضخم يعكس أن الاعتماد على المساعدات والنفوذ الخارجي وحده غير كافٍ. إعادة البناء الحقيقية تحتاج أن السوريين أنفسهم يُديروا العملية، بفهمهم لواقع الأحياء، وتجاربهم اليومية، ومعارفهم الدقيقة بمتطلبات كل مجتمع.
تجارب على الأرض — لماذا المشاركة المحلية ضرورية
منظّمة “الخوذ البيضاء” — التي عملت خلال الحرب على إنقاذ المدنيين، إزالة الأنقاض، وإعادة الخدمات الأساسية — تحوّلت إلى لاعب فاعل في الحكومة الجديدة، بعد أن عُين مؤسسها وزيرًا للطوارئ وإدارة الكوارث. هذا التعيين يعكس إدراك أن العائد الحقيقي لإعادة الإعمار لا يقاس بالمشاريع فقط، بل بقدرة المجتمع المدني على تنظيم نفسه وتقديم خدماته.
في ريف دمشق — شمالًا في إدلب، أو في زباداني، دوما، المناطق التي عانت حصارًا ونزوحًا— بدأت منظمات محلية ومجالس أهلية تطلق برامج تعليم، تأهيل مهني، إعادة ترميم البنية الأساسية. بدأ المعلمون الذين بقوا رغم الحرب يخططون لعودة التعليم، مؤمنين أن بناء المستقبل يبدأ بتعليم الأجيال الجديدة وتجهيزهم لمواجهة التحديات.
أصحاب محلات وتجّار، مدنيون نازحون وعائدون، باتوا يؤمنون أن إعادة الإعمار لا تحتاج فقط إلى استثمار أجنبي، وإنما إلى «يد عاملة محلية، إرادة، وشعور انتماء» — عناصر لا يمكن شراؤها بالمال وحده.
كيف ينبغي أن يكون دور الحكومات والمستثمرين؟
على المستثمرين والجهات المانحة أن يُعترفوا بالمجتمع المدني السوري كشريك حقيقي في الإعمار — وليس كمجرد منفّذة لمشاريع. ينبغي إشراك الجمعيات، المجالس المحلية، منظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المتضررة في تصميم وتنفيذ المشاريع: من إعادة تأهيل المدارس، إلى بناء مساكن، وترميم شبكات المياه والكهرباء، وإطلاق مشاريع اقتصادية صغيرة ومتوسطة.
ينبغي توجيه استثمارات ضخمة نحو تطوير القوى العاملة المحلية: تدريب مهندسين، تقنيين، حرفيين، عمال بناء، مع التركيز على احتياجات السوق الفعلية لإعادة إعمار البنية التحتية. نموذج مثل جامعة خاصة فنية ومهنية — كما حصل في الأردن — يمكن أن يكون نموذجًا جيدًا لإعداد أجيال قادرة على البناء.
على المشاريع أن ترتبط بمسؤولية اجتماعية حقيقية: ليست مجرد بناء هياكل، بل إعادة بناء المجتمع نفسه — تعليم، خدمات، سكن، فرص عمل، إحساس بالأمان والانتماء.
المجتمع المدني هو الضامن لنجاح الإعمار
رأى المقال أن الأهم في إعادة إعمار سوريا ليس الأموال بقدر ما هو الناس: أولئك الذين بقوا رغم الحرب، من فقدوا، من نازحوا، ومن عادوا، ممن يحملون الخبرة، المعرفة المحلية، والرغبة في إصلاح ما تهدّم. استبعادهم يعني بناء مدينة من دون أهلها — مشروع هشّ، لا أساس له من واقع.
المستثمرون الخارجيون إذا أرادوا أساسًا قويًّا للإعمار، فعليهم أن يعترفوا أن المجتمع المدني السوري ليس مشكلة يجب التعامل معها، بل مورد فعّال وقوة دائمة للاستقرار والتنمية.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/syrias-civil-society-must-take-center-stage-in-reconstruction/

